الصفا والمروة جبلان أصمان ولكن يعلمان البشرية دروس أيما قيمة وعظمة، فلا عجب أن يخلد التاريخ ذكرى إيمان امرأة طابت وطاب مسعاها وأصبحت قدوة لكل المسلمين رجالها ونسائها، فها نحن نتشبه بالنساء وأفعال النساء التي تعلم البشرية كيف يكون التوكل لا التواكل، كيف يكون اليقين وحسن التدبير مع عدم اليأس، إنها لتوليفة عجيبة تليق بزوج خليل الله وأم الذبيح.
قصة الصفا والمروة
بدأت القصة عندما أمر الله إبراهيم أن يسكن زوجه وولده إسماعيل في تلك البقعة السحيقة بدون مأوى ولا جليس ولا قليل من الطعام يسد جوع الصغير ويقيه من الموت الوشيك، ولا حتى شربة ماء تقيه حر الرمضاء التي يلتحف بسمائها.
- تعجبت حينها هاجر عليها السلام من فعلة إبراهيم، فلم تعهد منه التخلي، وقامت بالنداء عليه متسائلة هل تتركنا هاهنا وترحل؟ ولكن لا مجيب لحيرتها.
- تساءلت بيقين الله أمرك بهذا؟، فهي تعلم أن زوجها لن يفعل مثل هذا الأمر إلا بأمر إلهي، فقالت والإيمان يملأ قلبها: إذًا لن يضيعنا.
- فما عهدت المولى تاركًا ولا بعيد بل أقرب من حبل الوريد وفي القلب مؤنس ومعين، فهل يتركها وقت الضيق والشدة.
- وما أمرها شدة ولحظات صعبة ومؤلمة فهي أنثى فقدت السند والزوج ماذا عساها أن تفعل.
- ربما لو كان إبراهيم بجانبها ما شعرت بالخوف، فالمرأة تصبح أكثر خوفًا وضعفًا بغياب الزوج.
- ولكن تبدد الخوف بالإيمان والثقة في الله عزمت على عدم اليأس وقامت بالسعي بحثًا عن طعام وشراب لوليدها.
- اعتلت وهبطت جبلي الصفا والمروة أملًا في أن تجد أحد يمدها بماء لتروي ظمأ صغيرها بعد أن جف لبنها، وبكاء الصغير لا ينقطع.
- ولأن يد العون الإلهية تأتي عندما تنقطع الأسباب الدنيوية وتعجز كل مسببات الخروج من الأزمة عن وضع نهاية للواقع البئيس.
- وبعد أن استبد التعب من هاجر وارتمت بجوار صغيرها تسارع في التقاط أنفاسها.
- أمر الله جيريل أن يضرب الأرض أسفل قدمي الصغير ليتفجر ينبوع خالد ليوم طي الأرض كطي السجل للكتب هو عين زمزم.
- وأمر الله الحجيج أن يسعوا بين الصفا والمروة كشعيرة أساسية في الحج والعمرة تخليدًا لسعي هاجر.
شاهد مقال أضحية عيد الأضحى و الطواف حول البيت العتيق
السعي بين الصفا والمروة
تعرف الصفا (جمع، مفردها صفاة) في اللغة على أنها الحجارة الملساء وعريضة الحجم، وهو جبل يوجد في البيت الحرام في جهة الجنوب الشرقي من الكعبة.
- أما المروة جمع مرو وهي حجارة لامعة بيضاء اللون، وتقع في الجهة الشمالية من الكعبة .
- أما السعي بين الصفا والمروة فهو أحد أركان الحج، وهو أيضًا أحد شعائر العمرة.
- كان العرب في الجاهلية يقيموا صنمان أحدهم على المروة والآخر على الصفا، وكأحد عادات العرب الوثنية التمسح والتبرك بالأصنام.
- وعند دخول الإسلام وانتشاره تأفف المسلمون من المهاجرين والأنصار أن يأتوا هذا المنسك.
- ولكن الله أنزل قرآن يبين أن السعي شعيرة من شعائر الله عند أداء الحج والعمرة، ويجب على المسلمون أدائها.
- (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا).وقال صلى الله عليه وسلم-: (اسْعَوُا، فإِنَّ اللهَ قدْ كَتَبَ عليْكمْ السَّعْيَ).
- أما مسافة السعي بين الصفا والمروة تبلغ 394.5 متر
كيفية السعي بين الصفا والمروة
يبدأ الحاج أو المعتمر عند أداء شعيرة السعي بالتوجه نحو جبل الصفا.
- يشرع في تلاوة قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ).
- قد يتساءل لماذا نبدأ بجبل الصفا دون المروة؟ والإجابة أن الرسول أمرنا بالبدء بما بدأ الله به في ذكر هذا الركن.
- بعد ذلك يقوم باعتلاء جبل الصفا حتى تكون الكعبة ظاهرة أمامه ويتوجه ناحية القبلة.
- يشرع في الذكر .
- ينزل كذلك إلى المروة ويمشي حتى بلوغ العلامات الخضراء.
- يهرول الرجل عندئذ في المشي بشكل يقترب من الجري.
- لكن عليه ألا يتسبب في أذى لنفسه أو لغيره.
- على المرأة ألا تهرول وتمشي بسكينة ووقار، مخافة انكشاف العورة أو مزاحمة الرجال.
- يتوقف الرجل عن الهرولة بمجرد بلوغه للعلم الأخضر الثاني.
- يمشي بعد ذلك حتى يبلغ المروة.
- يصعد الحاج إلى جبل المروة حتى يرى الكعبة بوضوح.
- يشرع في تلاوة الذكر.
- يعود من الناحية الأخرى راجعًا إلى موضع البدء.
- بمجرد أن يصل يكون قد أكمل شوط.
ما يقال في السعي بين الصفا والمروة
نجمع لكم الأقوال الواردة عن النبي فيما يخص الذكر عند السعي بين الصفا والمروة، عند اعتلاء الجبل ( الصفا أو المروة على حد سواء) ورؤية الكعبة يقول:
- لا إله إلا الله.
- الله أكبر.
- الله أكبر على ما هدانا.
- الحمد لله.
- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده”
- يقوم بتكرار هذا الدعاء ثلاث مرات.
السعي بين الصفا والمروة كم شوط
يقوم المسلم المؤدي لمناسك الحج والعمرة بالسعي بين الصفا والمروة سبع أشواط. بحيث يقوم بالبدء من الصفا حتى بلوغ الجبل المروة وعندها يقوم بالرجوع من الطريق الموازي حتى ينتهي من حيث بدء، وهذا يكون شوط واحد، ولا يلزم للساعي أن يظل على طهارة ولكم من السنن أن يكون متوضأ.
شروط السعي بين الصفا والمروة
هناك عدة شروط يجب على الحاج أو المعتمر توخيها ليصح معها ركن السعي:
- أن يجتاز الساعي المسافة كلها دون نقصان، وإذا أخل بهذا الشرط يكون سعيه لا يصح باتفاق المذاهب الأربع، حيث أن المسافة معلومة ومحددة ولا غبار عليها.
- البدء بالصفا ولا يصح السعي إذا بدء السعي بالمروة، ويعتبر الشوط غير المبدوء بالصفا لاغي وهذا باتفاق المذاهب.
- استيفاء العدد المنصوص عليه عند السعي وهو سبع أشواط كاملة لا ينقص منها شيء حتى يصح السعي، والإخلال في العدد يبطل السعي كله.
- أن يقوم المحرم بالسعي بعد الطواف وليس العكس وهذا بإجماع المذاهب.
- في حال كانت المرأة حائض عليها ألا تسعى حتى تطهر في حال كانت لم تطف بعد.
- ولكن إن قامت بالطواف فلها أن تقوم بالسعي.
قالت عائشة رضي الله عنها:
(فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وأَنَا حَائِضٌ، ولَمْ أَطُفْ بالبَيْتِ، ولَا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ)
- الموالاة بين الأشواط ( يقصد به أن يلي كل شوط شوط آخر كما في الصلاة والطواف)، وهذا رأي المالكية والحنابلة، ولم يشترط الحنفية والشافعية الموالاة بين الأشواط.